صحيفة المزون - متابعة
بدايتي مع النزيف النفسي تلازمت مع خروجي من غرفة العمليات بحالة يرثى لها، بعدما قام الطبيب الاستشاري بإحكام قبضته على الدريل، وهو في وضعية غضب وجدال كلامي مع أحد المتدربين معه، ليتنفس غضبه على عظام وجهي ويقوم بتحطيمها بدلا من عمل المطلوب منه. وكانت النتيجة فقدان المنفعة الأبدية للإحساس وتهشم العظام والحاجة إلى زراعة دقيقة لعظام تعويضية جمالية.
لن توفي هذه الزاوية الكتابة التفصيلية في مسلسل الغوص في بحر الوجع، وكيف أني صدمت نفسيا أكثر مما تحملت جسديا. سرت أبحث عن الآراء الطبية العديدة حول إمكانية علاجي بما سيضمن لي السلامة، فلم أجد إلا إجابات باهظة الثمن لم تتناسب مئات ألوفها مع مقدر الإرش المضحك الذي قدره لنا حضرة القاضي بعد جلسات مريرة ومراجعات كثيرة في جميع مستشفيات الرياض.
يأسي من الحصول على عدالة دفعني للبحث خلال السنوات الماضية عن استشارات من أطباء استشاريين مجانا، فأنا لا أملك المال الكافي ولا حول لي ولا قوة إلا أن أعيش كما أنا وأرضى بمرارة الواقع حتى تفرج. وفي إحدى الأيام قرأت عنوانا فرعيا عن عقد مؤتمر بالرياض سيحضره استشاريون من أوروبا ذهبت بصور الأشعة ولم يكن بمخيلتي سوى الأمل في الحصول على استشارة. كان صباح ذلك الخميس استثنائيا لي، فبعد انتهاء المحاضرة الأولى وانفضاض المدعوين نحو بوفيه القهوة سارعت نحو الضيف الأوروبي لأطلب منه خمس دقائق خلسة في أحد أركان المسرح حتى أعرض حالتي فما كان منه إلا الاستجابة الفورية، وطلب مني التواصل معه عبر الإيميل الذي دونه في نهاية الكرت الذي أعطاني إياه. بعد أسبوع قمت بإرسال صور تقاريري وأشعتي، وبعد مراسلته لي عرض علي مبلغ التكاليف شاملة العملية والإقامة، والتي لم تكن بالطبع أقل من تكاليف العلاج المئات ألفية التي وصلتني في ثنايا استفسارات مسبقة.
قمت بشكره ووضحت له أني لا أملك سوى - درزن بناجر- لن تزيد قيمة بيعه عن سعر تذكرة شخصين إلى بلده. الجميل في سلوكه الإنساني أنه لم يتركني خلف ركام إيميلاتي، فقد تفاجأت بإيميل منه بعد أسبوعين تقريبا يبشرني بأنه تواصل مع منظمات خيرية- نصرانية- ستقوم بدفع تكاليف علاجي وإقامة مرافقي معي. لم أرد على إيميله حتى كتابة قصتي فأنا بالرغم من ثنائي على إنسانيته، إلا أنني في وطن الإنسانية.
تركت الموضوع برمته ورضيت أن أبقى على ما أنا عليه وعز علي- درزن البناجر- فهو يحمل قصة حب أخرى كان هدية مواساة من والدي لي بعد أن ساءت نفسيتي في مرحلة لاحقة شارفت فيها على كتم صوت الحياة في شراييني فلم تعد تعنيني الحياة شيئا.